منتدى الاحبة فى الصلوات على خير البشر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ

اذهب الى الأسفل

الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ Empty الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ

مُساهمة  عامر شمس الحق الجمعة أغسطس 20, 2010 8:22 am

الحكمة الثامنة

إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك.
فإنه ما فتحها لك إلا وهو يريد أن يتعرف إليك. ألم تعلم
أن التعرف هو مورده عليك والأعمال أنت مهديها إليه وأين
ما تهديه إليه مما هو مورده عليك

ـ انتقال الإنسان من أودية الضلال إلى صعيد الهداية يتم
بأحد طريقين: طريق الإنابة، أو طريق الاجتباء، والتعريف
بكل منهما

يمكن أن يرقى الإنسان من وهدة الضياع والضلال إلى صعيد الهداية
ومعرفة الله، من خلال أحد طريقين لا ثالث لهما:أحدهما يتجه به
الإنسان إلى الله، وهو طريق طويل وشاق، يبدؤه الإنسان بغرس
حقائق الإيمان وأركانه في عقله، ثم يوجه قلبه إلى محبة الله
وتعظيمه والخوف منه، ثم يقبل إلى أوامر الله عز وجل فيأتمر
بها، وينتهي عن المنكرات التي حذر منها، ويستعين على ذلك
بالإكثار من ذكر الله والإكثار من تلاوة القرآن. والنتيجة التي
ينتهي إليها سالك هذا الطريق هي تضاؤل الدنيا شيئاً فشيئاً
أمام بصره وبصيرته، وتعاظم الآخرة وما فيها شيئاً فشيئاً في
نفسه وفؤاده، فيهتم لما هو مقبل إليه أكثر من اهتمامه للدنيا
التي يعبرها ويمرّ بها. وهذا الطريق يسمى طريق الهداية
والإنابة.ثانيهما طريق يتجه به الله إلى العبد. أي فالطريق
الأول يكون البدء فيه منك إلى الله، كما قد بينت لك، أما هذا
الطريق الثاني فيكون البدء فيه من الله إليك. ويسمى طريق
الاجتباء.. يكون الإنسانستغرقاً في شروده وبعده عن الله،
منصرفاً إلى أهوائه ورغائبه الدنيوية، وفجأة تدركه رحمة من
الله تعالى لسبب من الأسباب التي قد لا يعلمها إلا الله،
ويتجلى الله عليه تجلّي لطف وإيقاظ، فيجذبه إليه، ويسمو به إلى
صعيد معرفته فحبه وتعظيمه. وقد يتم ذلك كله في لحظة
واحدة.ويعبّر البيان الإلهي عن هذين الطريقين للخروج من التيه
والضلال، إلى الهداية والرشد بقوله عز وجل: { اللَّهُ
يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ
يُنِيب } { الشورى: 42/13 } اجتباء وهداية.. أولهما يكون
باصطفاء وجذب من الله عز وجل، لمن شاء من عباده كما قال..
وثانيهما يكون بإنابة فسير من العبد إلى الله تعالى خلال طريق
طويل من المعارف والطاعات والأذكار والقربات.وارتباط الاجتباء
بمن شاء الله أن يجتبيهم ويجتذبهم إليه، فيه دلالة على أن
الإنسان ليس له أي دور في اختيار هذا الطريق، وإنما هو خصيصة
واصطفاء من الله لمن شاء. والطريق الثاني الذي سماه الله طريق
الإنابة والهداية هو الذي أناطه الله بسلوك الناس واختيارهم،
وتأتي الهداية في أعقابه ثمرة لجهادهم وجهودهم.
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ Empty رد: الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ

مُساهمة  عامر شمس الحق الجمعة أغسطس 20, 2010 8:23 am

ـ ابن عطاء الله يلفت النظر في هذه الحكمة إلى الهداية
التي قد يكرم الله بعض عباده عن طريق الاجتباء

فابن عطاء الله السكندري رحمه الله، يلفت النظر في هذه الحكمة،
إلى أحد هذين الطريقين، وهو طريق الاجتباء الذي يأتي نتيجة
اصطفاء من الله لبعض عباده، فينتشلهم في لحظة واحدة من أقصى
أودية الضياع والبعد عن الله، إلى أعلى قمم العرفان والقرب من
الله عز وجل. يقول: «إذا فتح لك» أي الله عز وجل «وجهة من
التعرف» أي نافذة يعرفك من خلالها على ذاته، وذلك بعامل من
عوامل الجذب والفتح، التي تطوي الأزمنة في لحظات أو دقائق
معدودة، يغنيك الله بها عن دراسة تستغرق أشهراً أو سنوات.
«فلا تبال معها أن قلّ عملك» أي فلا تعجب عجباً قد يزجك في
ريب، من أنك قد بلغت هذا الأوج من التوجه إلى الله والتعلق به،
دون أن تستعين على ذلك بكثير من العبادات والنوافل والأذكار
والقربات، كما هو الشأن في العادة. ذلك لأن طريق الفتح الإلهي
مختلف عن طريق السير الإنساني، وهو جلّ جلاله «ما فتحها» أي
تلك الوجهة «لك إلا وهو يريد أن يتعرف إليك» أي إلا وهو يريد
أن يعرفك على ذاته. وهذه الإرادة التي شرفك الله بها من شأنها
أن تملأ كيانك معرفة وحباً وتعظيماً له ومهابة منه، حتى وإن قل
أو فقد قبل ذلك عملك المقرب إلى الله. ثم إن ابن عطاء الله
يقارن بين الطريقين قائلاً: «ألم تعلم أن التعرف هو مورده
إليك، والأعمالَ أنت مهديها إليه، وأين ما تهديه إليه مما هو
مورده عليك» ؟.. أي تأمل، كم هو الفرق كبير بين سلّم الأعمال
التي ترقى بها إلى الله وجلّها لا يخلو من الشوائب والحظوظ،
وبين الألطاف التي تهبط وترد إليك من حضرة الله عز وجل!.. لا
شك أن قوة الجذب في هذه الألطاف الإلهية الهابطة إليك أجلّ
وأفعل، من قوة الطاعات الصاعدة منك إلى الله.هذا هو باختصار
الفرق ما بين ما ترسله إلى الله من قربات وأعمال، وما يرسله هو
إليك من تجليات وألطاف. وتلك هي الخلاصة السريعة لمعنى هذه
الحكمة. ولكن فلنعد إليها بشيء من التفصيل.
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ Empty رد: الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ

مُساهمة  عامر شمس الحق الجمعة أغسطس 20, 2010 8:24 am

ـ نماذج من أخبار من هداهم الله إليه عن طريق الاجتباء

في التاريخ الإسلامي كثير ممن جذبهم الله بنقلة واحدة من التيه
إلى الرشد، ومن الشرود إلى الالتزام، ومن محبة الأغيار إلى
محبة الله عز وجل.في أصحاب رسول الله منهم كثير.. يفد
الأعرابي الجلف من البادية إلى المدينة، فما تكاد عيناه تبصران
رسول الله ، وما تكاد أذناه تسمعان شيئاً من نصائحه وحديثه،
حتى يتحول وهو في مجلسه ذاك من حال إلى أخرى، تغيب عنه جلافة
طبعه وقسوة قلبه، ويولد ولادة جديدة في كل ما يتعلق بدخائل
نفسه ثم لا يخرج من مجلس رسول الله إلا وقد عزفت نفسه عن
الدنيا، وفاض قلبه حباً ومهابة لله عز وجل.. كثيرون هم أولئك
الذين نُقلوا من أصحاب رسول الله إلى صعيد الالتزام والرشد عن
طريق الاجتباء السريع، لا عن طريق التربية والممارسة
الطويلة.وفي الناس الذين جاؤوا من بعد، من اجتذبهم الله إليه
عن طريق الاجتباء، فانتقلوا من الانحراف الشديد إلى الاستقامة
التامة طفرة وبدون توقع. منهم الفضيل بن عياض الذي تحول خلال
دقائق في جوف ليل مظلم من فتاك قاطع طريق إلى متنسّك رباني فرغ
قلبه من كل شيء إلا من تعظيم الله وحبه والخوف منه. ومنهم عبد
الله بن المبارك الذي كان مولعاً بالطرب والسماع والعزف على
الأوتار، بعيداً عن الالتفات إلى أوامر الله وحقوقه، فما هو
إلا أن تحول في سواد ليلة واحدة، هو الآخر، إلى نموذج عجيب
نادر للعالم الرباني الذي جعل دنياه كلها فداء لرضا الله عنه
وسبيلاً لقربه منه
اقرأ_سيرة_وافية_لحياة_كل_منهما_في_كتابي_(شخصيات_اس توقفتني).
. ومنهم مالك ابندينار الذي تحول فجأة من شرطي يتعاطى اللهو
والسكر إلى واحد من كبار الربانيين الذين كانت تغشى دروسه
الآلاف، وهدى الله على يديه الكثير من التائهين والمارقين.ومن
المهم أن نعلم أن سبيل الاجتباء هذا ليس وقفاً على أجيال أو
على عصور بعينها، بل هو سبيل مفتوح في كل عصر إلى أن تقوم
الساعة، أي إن لله عباداً من النساء والرجال يجتذبهم إليه من
التيه إلى الرشد، في كل عصر وربما في كل بقعة وصقع.كان لي جار
مسرف على نفسه ممعن في ارتكاب الموبقات، وكان يعشق الخمرة، لا
بدّ أن ينال حظه منها في كل ليلة. ولم يكن بينه وبين الهداية
أي جسر أو خيط ممتدّ، إذ كان كلُّ ما حوله وكل من يتعامل معهم،
من شأنهم أن يزيدوه بعداً عن الله وإمعاناً في اللهو
والآثام.وصباح ذات يوم دخلت المسجد كالعادة لأداء صلاة الفجر،
وإذا بي أرى العجب الذي رأته عيني ولم يصدقه عقلي، رأيت جارنا
السكير يجلس في الصف الأول جلسة إنسان متبتل متعبد ينتظر إقامة
الصلاة.. وهكذا تحول الرجل في ظلام ليلة واحدة إلى واحد من
أفضل من عرفت رشداً والتزاماً وحباً لله وبغضاً للمنكرات. كانت
اليد التي جذبته هي يد الله، وكانت البــداية التفـــاتة لطف
واجتباء من الله عز وجل.وقصة أكثر الفنانين والفنانات الذين
تحولوا واللائي تحولن إلى طريق جديدة من الحب، ولكنه حب الله،
وإلى جاذب جديد من الشوقولكنه الشوق إلى الله، بل إلى سكر جديد
من العشق ولكنه عشق الذات الإلهية.. إنها هي الأخرى قصة
الاجتباء الإلهي، كانت اللفتة الأولى من الله، وكانت اليد
الأولى هي يد الله، وكان الحب الأول هابطاً إليهم وإليهن من
الله
يلاحظ_أن_حظ_هذا_الاجتباء_في_حياة_الفنانين_والفنانا ت،_يكاد_يك
ون_محصوراً_في_مصر_دون_غيرها!.._فما_الحكمة_ترى؟_أين _هو_حظ_الا
جتباء_من_الفنانين_والفنانات_في_سورية_مثلاً؟!.._الل ه_أعلم،_وا
لله_هو_المسؤول_أن_يتولى_الجميع_بألطافه_وفضله. . وصدق الله
القائل: { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ
عَلَى الْكافِرِينَ } { المائدة: 5/54 } ولكن حذار من أن يقول
قائل من التائهين والشاردين عن صراط الله: إنني أفضل الوصول
إلى الله والاستقامة على الرشد، بهذا الطريق، طريق الجلب
والاجتباء، فذلك أيسر وأسرع. ذلك لأن أمر الاختيار في هذا عائد
إلى الله وليس عائداً إليك. ألم تتأمل في قوله { يَجْتَبِي
إِلَيْهِ مَنْ يَشاء } { الشورى: 42/13 }
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ Empty رد: الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ

مُساهمة  عامر شمس الحق الجمعة أغسطس 20, 2010 8:25 am

ـ مصدر الاجتباء فضل الله عز وجل، والله يؤتي فضله من
يشاء

ولا يقولن قائل أيضاً: فما هو مصدر هذا الحظ الذي يناله بعض
الناس دون بعض؟ مصدره فضل الله الذي يؤتيه من يشاء، على أن
الذي أحبه الله فاجتباه، إنما أحبه لخصلة أو خلق أو سبب ما
علمه الله منه ولم تعلمه.ثم إياك أن تفهم قول ابن عطاء الله:
«فلا تبال معها أن قلّ عملك» على غير وجهه، وإليك المعنى الذي
يريده ابن عطاء الله والمثبت في كتاب الله:الذين يجتبيهم الله
عز وجل ممن تحدثنا عنهم وذكرنا نماذج منهم، لا يشترط في اجتباء
الله لهم أن يأخذوا أنفسهم بمقدمات من العبادات والقربات أو
الأوراد والأذكار، كما هو الشأن بالنسبة لغيرهم ممن يأخذون
أنفسهم بأعمال التزكية. بل إن الله ينتشلهم من وهدة الضياع
والتقلب في حمأة المعاصي، طفرة وبدون مقدمات، إلى صعيد العرفان
والالتزام ويمتعهم خلال دقائق، وربما لحظات، بتزكية النفس
والفؤاد.فإذا استقر بهم الحال على هذا الصعيد الذي جذبهم الله
إليه، أقبلوا إلى أوامر الله ووصاياه ينفذونها ويلتزمون بها،
واتجهوا إلى العبادات والقربات والأذكار يستزيدون منها، هذا
فضلاً عن ابتعادهم التام عن المحرمات والمنهيات كلها.فالحديث
هنا عن قلة العمل، وعن عدم أهميته وأهمية فقده، إنما هو بالنظر
إلى حال هذا الإنسان قبل أن يجتبيه الله. هل العمل والتوبة عن
المعاصي آنذاك مقدمات ضرورية؟ هي ضرورية للذين يريدون أن
يسلكوا سبل الهداية بجهود وأسباب يبدؤونها من عندهم، وهو الشأن
بالنسبة لأكثر الناس.. ولكنها ليست ضرورية بالنسبة لمن اجتباهم
الله ونظر إليهم نظرة لطف واصطفاء.. فقد رأيت كيف نقل الفضيل
بن عياض ومالك بن دينار وأمثالهما، من أقصى أودية التفلت
والشرود إلى أعلى درجات الرشد والالتزام، دون واسطة من قربات
أو أدعية أو أذكار أو أي مقدمات من الطاعات.ولكنهم ما إن ذاقوا
لذة معرفة الله ونعيم القرب منه والحب له، حتى شمروا عن ساعد
الجدّ وحمّلوا أنفسهم أعباء كبيرة من العباداتالطاعات. ولم يكن
يصلح شأنهم بعد التحول السريع الذي أكرمهم الله به إلا
بذلك.فإياك أن تفهم من قول ابن عطاء الله هذا ما يحلو لبعض
محترفي أعمال الإرشاد ومهامّه أن يفهموه، من أن الذين اجتباهم
الله لهم خصوصية من القرب والحب، تغنيهم عن كثرة الطاعات
والعبادات والتنزه عن المحرمات!.. تلك هي وساوس الشياطين
لأوليائهم من الزنادقة.. وهي وسوسة تناقض الحقيقة تماماً.
فالمجتبون هم أكثر الناس تعلقاً بالطاعات والعبادات، وأكثرهم
ابتعاداً عن المحرمات والشبهات، ولو كان في المقربين إلى الله
من قد حطّ الله عنهم مسؤولية الالتزام بالأوامر والابتعاد عن
النواهي، لكان رسول الله أولاهم بذلك.. وإنما كان عليه الصلاة
والسلام، أكثر الناس تحملاً لعزائم الطاعات وصبراً على النوافل
والعبادات وابتعاداً عن الشبهات. ألم يكن هو الذي تتورم قدماه
من طول القيام في الصلاة؟.. أولم يكن أول الناس في أصحابه
زهداً في الدنيا واخشيشاناً في المعيشة؟.. كذلك سائر
المجتَبْين من بعده، كانوا أكثر الناس إقبالاً على وصايا الله
وأوامره وأشدهم ورعاً في فهم الحلال والحرام، وأدومهم على
النوافل والأذكار.إذن فكلمة «لا تبال معها أن قلّ عملك» حديث
عما قبل التحول من التيه إلى الرشد، وليس إغراء بالإعراض عن
العمل، بعد التحول الذي جاء نتيجة اجتباء من الله عز وجل.
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ Empty رد: الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ

مُساهمة  عامر شمس الحق الجمعة أغسطس 20, 2010 8:25 am

ـ ترى هل من سبيل لمعرفة صفات من قد يتعرضون لهذا
الاجتباء الإلهي؟

ونعود للحديث عن هؤلاء القلة الذين ينتقلون طفرة إلى صعيد
الهداية والرشد بجاذب من الاجتباء الإلهي، من هم؟ وما هي
المزية التي تؤهلهم لهذه النقلة اليسيرة والسريعة؟أعود فأقول:
إنها تجليات ربانية لا تنضبط بمقاييس معارفنا، ولا تنضبط بحدود
قواعدنا. ولا بدّ أن لها أسباباً إلا أنها أخفى من أن تدركها
اجتهاداتنا.ولكن أليس ثمة صفات يتصف بها بعض الناس، تكون هي
مظنة تنزُّل هذا اللطف الرباني إليهم ومن ثم تكون هي سبب هذا
الاجتباء لهم؟..


ـ الذي نملك أن نقوله هو أن كل من أضاف إلى شروده عن الله
الاستكبار عليه، فهو محجوب قطعاً عن هذا الفضل الإلهي.
فأما الضالون من غير المستكبرين عليه فكلهم معرض لهذا
الفضل

الذي أستطيع أن أقوله جواباً عن هذا السؤال، هو أن كل من أضاف
إلى شروده وضلاله عن صراط الله تعالى، الاستكبار عليه، ومعاندة
الحق على الرغم من معرفة أنه حق، فهو محجوب قطعاً عن التعرض
لهذا اللطف الإلهي، وهيهات أن تفتح له وجهة من التعرف على
الذات الإلهية، على حدّ تعبير ابن عطاء الله. وكيف تفتح لهم
هذه الوجهة، وهم الذين قال الله عنهم: { إِنَّ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ
لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى
يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُجْرِمِينَ } { الأعراف: 7/40 } والمفهوم المخالف لهذه
الحقيقة هو أن كل من فاض قلبه شعوراً بالذل لله عز وجل، وكان
دور المعاصي في حياته تكريس مشاعر الذللله بين جوانحه، بحيث
يرى نفسه كالمتلوث بالأقذار من فرقه إلى قدمه، فهو أينما ظهر
ووجد يخجل من حاله، ويخيل إليه أن كل الناس الذين من حوله خير
منه، يكون في مقدمة المتعرضين لهذه الألطاف الإلهية التي
تجذبهم إلى سبيل الهداية والرشد.ولقد رأيت كلاماً أظنه للسيد
أحمد الرفاعي رحمه الله (512 - 578 هـ) يقول فيه: نظرت إلى
الطرق الموصلة إلى الله، فرأيتها جميعاً مزدحمة، ونظرت إلى
طريق التذلل والانكسار، فإذا هو فارغ لا ازدحام عليه!..أي إن
طرق الطاعات والقربات الظاهرة، كالعلوم الشرعية والاشتغال بها
وأعمال الدعوة إلى الله، والدخول في مسالك الجهاد، والتردد إلى
بيت الله الحرام للحج والعمرة، تتسرب إليها في كثير من الحالات
حظوظ هامة وكبيرة للنفس، ومن ثم يكثر الوافدون إلى هذه الطرق،
كل له بغيته أو غرضه الذي يرمي إليه. أما التوجه إلى طريق
التذلل والانكسار لله عز وجل، بحيث يرى السالك نفسه بعيداً عن
الله موغلاً في الموبقات، ويظن أن الناس كلهم خير منه، فيتعامل
معهم على هذا الأساس، فقلّ أن يصبر عليه إلا المخلصون لله
والصادقون معه، إذ إن النفس ليس لها أي حظ في هذا التذلل
والانكسار واتهام الذات، على مرأى من الناس.فأصحاب هذه النفوس
المنكسرة بصدق دون تمثيل وتكلف، هم في مقدمة من يتعرضون لنفحات
الله ولألطافه التي تجذبهم إليه، وإن كانوا موغلين في
الانحرافات والآثام.وعندما فوجئت بتوبة جارنا السكير الذي
اجتباه الله، على نحو ما حدثتك عنه قبل قليل، زرته في داره
لأول مرة لأهنئه على حياته الجديدة التي أكرمه الله بها. فقال
لي: لقد كنت أخاطب الله في أنصاف الليالي وأخرياتها، وأنا وحيد
في غرفتي هذه، والشراب أمامي، قائلاً: يا رب، إنه ليسوءني أن
يبقى هذا الجدار قائماً بيني وبينك، وكم أود أن أزيله، ولكني
ضعيف لا أقوى على ذلك، فما لك يا رب لا تزيله وأنت الرب القادر
على كل شيء؟..تأمل في هذا التذلل.. في هذا التدخل على الله، في
هذه المناشدة التي تعبر عن أدق معاني العبودية لله.. إنه
العامل الأوحد ربما، أو لعله أهم العوامل التي كانت السبب في
أن ينظر الله إليه نظرة رحمة ولطف واستجابة، انتشلته في دقائق
معدودات من أوحال تيهه إلى صعيد الحب والاجتباء. وصدق
القائلون: الصلح مع الله بلمحة واحدة.
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ Empty رد: الحكمة الثامنة : إذا فتح لك وجهة من التعرف فلا تبال معها أن قلّ عملك ...الخ

مُساهمة  عامر شمس الحق الجمعة أغسطس 20, 2010 8:26 am

ـ بيان الفرق بين الطاعات التي تعلو منك إلى الله،
والأفضال التي ترد إليك من عنده

بقي أن نتأمل في هذا المقطع الدقيق والبليغ من حكمة ابن عطاء
الله هذه، تأمل في قوله: «ألم تعلم أن التعرف هو مُورده عليك،
والأعمالَ أنت مهديها إليه، وأين ما تهديه إليه مما هو مُورده
عليك» .سلّم الأعمال والقرباتوالرياضات والأذكار التي يحاول
أحدنا أن يتقرب بها إلى الله، سلم طويل وكثير الدرجات، لا بدّ
لبلوغ أعلاه من الصبر على اجتياز الزمن الطويل.. هذا بالإضافة
إلى أن القربات والأعمال الصالحة مهما كانت مفيدة ومقربة إلى
الله بحدّ ذاتها، فإنها لا تكاد تصدر من النفس الإنسانية التي
يغلب عليها أن تكون أمّارة بالسوء، إلا وهي متأثرة بالكثير من
حظوظها وأغراضها، فتتحول بذلك تلك الأعمال الصالحة، أو كثير
منها، إلى مطايا لأهواء النفس ورغائبها. ومن ثم فإن هذه
الأعمال الصالحة على تنوعها واختلافها لا تملك إلا قدرة محدودة
على تحويل صاحبها كلياً من وهدة الشرور والانحرافات إلى صعيد
الانضباط الدائم بأوامر الله. وكم في هؤلاء الناس من يسيرون
إلى الله اعتماداً على هذه الأعمال، بضع خطوات، ثم ما هو إلا
أن يعودوا إلى مثل ما كانوا عليه من السوء. ومردّ ذلك إلى عدم
صفاء الأعمال من آفات النفس وحظوظها الدنيوية، وهي آفة قلما
يستطيع الإنسان التخلص منها.أما إن أقبل الله إليك بطائف جاذب
من لطفه ورحمته بك، فلسوف تتكون من ذلك تكويناً جديداً، ولسوف
يغيّبك هذا اللطف الرباني عن الأكوان، لتعيش مع المكون، ولسوف
تنظر إلى الأشياء بعين غير التي كنت تنظر بها من قبل، ولسوف
تسبر غورها بعقل غير فكرك السطحي الذي كنت تدرك به من قبل،
ولسوف تستيقظ من الغفلة النفسية وتنطلق من سجن الوقوف عند
ظواهر الأشياء، فتتجاوز دائرة من قال الله عنهم: {
يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ
الآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ } { الروم: 30/7 } تنظر إلى كواكب
السماء في الليل فلا ترى نفسك من ذلك إلا أمام يد الصانع
المبدع، يسيح عقلك حائراً مع عظيم إبداعه، وتنظر إلى اخضرار
النبات في النهار وإلى نمنمة الزهور فيما بينها فتغيب عن
دنياالخضرة وألوان الزهور الناطقة فيما بينها، لتجد نفسك أمام
الخلاق الذي حيّر العقول في عجيب خلقه وجمال إبداعه، وتتأمل في
عجيب أنواع الثمار اليانعة فوق أشجارها، أو النائمة مع الأغصان
المتعرجة على نفسها، وتنظر في عالم الغابات والأدغال المحشوة
بعجائب حيواناتها ودقيق نظامها، وتلتفت إلى عالم البحار
الهادرة والمحشوة بعالمها ذي النظام الهائل المتفرد، فلا تبصر
من خلال هذه اللوحات الكونية إلا المكون، ولا ترى نفسك من ذلك
كله إلا أمام يد الله!.. فالمشاهد الكونية أو الطبيعية، كما
يقولون، تتحول أمام ناظريك إلى ما يشبه ألواحاً زجاجية شفافة
صافية، هل ترى فيها إلا ما ينشط ويتحرك وراءها.. فكذلك هذه
اللوحات الكونية تغيب عنك كثافتها ووجودها المادي، لتظهر لك من
ورائها صفات الخالق المبدع ووحدانية الإله الصانع.كل ذلك يتم
خلال دقائق، بل ربما خلال لحظات، على أعقاب الوجهة التي فتحها
الله من سمائه إليك ليكرمك برائحة من معرفة ذاته.. فيخلعك هذا
الشعور الجديد الغامر من حال، ليزجك في حال أخرى، وليجعلك
تتقلب من أحداث الدنيا كلها في رؤية مشهود واحد هو الله عز
وجل. وتلك هي الحال التي يسميها أصحاب هذا الاجتباء الإلهي
بوحدة الشهود.كانت الأكوان كلها من قبل، حجاباً يغيبك عن الله،
بما فيها من مغريات ورغائب وأهواء، فلما تجلى الله عليك تجلّيه
الآسر الجاذب، أصبح شهوده هو الحجاب الذي يغيبك عن المكونات
وينسيك ما قد كان لك فيها من رغائب ومغريات.هذا كله يتم خلال
دقائق أو لحظات لمن اجتباهم الله تعالى وفتح عليهم وجهة من
تعريفهم بذاته.. وهو يتم أيضاً عن طريق الإكثار من الطاعات
والعبادات، وأخذ النفس بمنهاج طويل من التزكية، والعكوف على
أوراد دائمة من الأذكار.غير أن هذا طريق طويل يحتاج إلى زمن
وجهد، وهو الطريق الذي لا بديل عنه بالنسبة لأكثر الناس.أما
طريق الاجتباء والجذب، فسريع وسهل، ولكن لا حيلة للإنسان في
اختياره. إذ مردّه إلى فضل الله الذي يميز به من شاء من
عباده.إذن فلنردد مع ابن عطاء الله هذه الفقرة الدقيقة
والبليغة من حكمته هذه، إذ يقول: «ألم تعلم أن التعرف هو مورده
عليك، والأعمالَ أنت مهديها إليه. وأين ما تهديه إليه مما هو
مورده عليك» ؟
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى