منتدى الاحبة فى الصلوات على خير البشر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحكمة التاسعة : تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال

اذهب الى الأسفل

الحكمة التاسعة : تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال Empty الحكمة التاسعة : تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال

مُساهمة  عامر شمس الحق الجمعة أغسطس 20, 2010 8:27 am

الحكمة التاسعة

تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال

ـ الأحوال التي يتعرض لها الإنسان تنقسم إلى أحوال نفسية،
وأحوال اجتماعية وبيان مفصل لكل منهما

الأحوال جمع حال، والحال هو الوضع الذي يمرّ بالإنسان ثم
يتجاوزه دون أن يستقرّ لديه.والأحوال تنقسم إلى قسمين: أحوال
نفسية، وأخرى اجتماعية. ونبدأ بالأول منهما:وإنما نعني
بالأحوال النفسية ما اصطلح عليه علماء السلوك أو المهتمون
بالتربية القلبية الموصلة إلى الله.. وهي عبارة عن مشاعر
داخلية تمرّ ولا تستقر، تأتي نتيجة وقوف وتأمل، عند بعض صفات
الله تعالى وأسمائه الحسنى، إذ تتأثر النفس بتلك الصفات، مما
يدفع صاحبها إلى الأعمال التي تتناسب وذلك التأثير الذي هيمن
على نفسه، كما تأتي نتيجة وضع مرّ به الإنسان شرد فيه عن أوامر
الله وانغمس في بعض المحرمات، ثم انجاب عنه ذلك الوضع فأورثه
مزيداً من الخوف من عقاب الله، وألماً من تذكر ماضيه في جنب
الله عز وجل.ففي الصالحين مثلاً من يغلب عليهم الوقوف عند صفات
الرحمة والكرم والإحسان والمغفرة وسعة العفو، وكلها صفات
منبثقة من بعض أسماء الله الحسنى، فيتصرف تصرفات دينية ذات
طابع جمالي قائمة على أساس راسخ من حسن الظن بالله، وإذا ذكّر
الناس بالله لم يذكّرهم إلا بالكثير من فضله وعطائه وآلائه
ومغفرته وعفوه، وإذا اتجهإلى الطاعات والعبادات فبدافع من هذا
الشعور يتجه، ويغلب على صاحب هذه الحال أن يكون اجتماعي النزعة
وأن ينعكس إليه طيف من هذه الصفات نفسها. فتكون أعماله منبثقة
عنها.وفي الصالحين من يغلب عليهم الوقوف عند صفات القهر
والعقاب والسلطة الإلهية الواسعة النافذة، والعقاب الذي توعد
به المسرفين والظالمين، فيتصرف تصرفات دينية ذات طابع جلالي
قائمة على أساس من تغلب الخوف، والشعور بالتقصير وسوء الحال.
لا سيما إن كان ممن له ماض يتصف بالشرود والابتعاد عن أوامر
الله والانغماس في الآثام والموبقات.فهذه الأوضاع النفسية تسمى
أحوالاً، إذ هي تعرض لصاحبها فتتلبث لديه ثم تمرّ وتمضي، ثم قد
تعاوده مرة أخرى. على أنه لا يوجد ميقات محدد لبقائها، فقد
يطول أمد بقائها وقد يقصر.
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة التاسعة : تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال Empty رد: الحكمة التاسعة : تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال

مُساهمة  عامر شمس الحق الجمعة أغسطس 20, 2010 8:27 am

ـ نماذج لأصحاب حالات نفسية متنوعة استلزمت تنوع الأعمال
الصالحة على حسبها

كان في الصالحين مثلاً من تمرّ به الليالي الكثيرة دون أن تغمض
له عين لرقاد كداود الطائي الذي كان يقول: «إلهي، همّك عطّل
عليّ الهموم الدنيوية وحال بيني وبين الرقاد»
الرسالة_القشيرية:_1/99_على_هامش_حاشية_الشيخ_زكريا_الأنصاري.
.وفيهم مثل فضيل بن عياض الذي وقف في عرفة مع الحجيج، دون أن
يدعو كما كانوا يدعون، أو أن يردد الأذكار والأوراد المأثورة
في ذلك الموقف، إذ كانت قد انتابته حالة من تذكره لماضيه يوم
كان مسرفاً على نفسه، جعلته نهباً لمشاعر من الخجل من الله عز
وجل، حجبته عن الانشغال بالدعاء والأوراد والأذكار. روى إسحاق
بنإبراهيم الطبري أنه وقف مع الفضيل بن عياض بعرفات، فلم يسمع
منه دعاء، إلا أنه وضع يده اليمنى على خده، وطأطأ رأسه يبكي
خفياً، فلم يزل كذلك حتى أفاض الإمام، فرفع رأسه إلى السماء
يقول: واسوأتاه والله منك، وإن غفرت لي، قالها ثلاثاً
صفة_الصفوة_لابن_الجوزي:_2/239_ومختصر_تاريخ_ابن_عساكر:_20/316
. .وفيهم من حملته هذه الحال، على الاستغفار مما يعدّ في
الظاهر عبادة وطاعة، مثل سريّ السقطي الذي كان يقول: منذ
ثلاثين سنة، وأنا أستغفر الله من قولي مرة، الحمد لله!.. قيل
له: كيف ذلك؟ قال: وقع ببغداد حريق، فاستقبلني رجل، فقال لي:
لقد نجا حانوتك، فقلت: الحمد لله، فأنا إلى الآن نادم على ما
قلت، إذ أردت لنفسي خيراً مما حصل للمسلمين
الرسالة_القشيرية:_1/86_. .وفيهم من حملته حاله التي ذكرت
صوراً ونماذج منها على أن يفطر وهو صائم، مثل معروف الكرخي
الذي مرّ بسقّاء وهو صائم، فسمعه يقول: رحم الله من يشرب مني،
فتقدم إليه وشرب من يده، فقيل له: ألم تكن صائماً؟ قال: بلى،
ولكني رجوت دعاءه الرسالة_القشيرية:_1/82_. .فهذه التصرفات
وأمثالها، قد تكون محل نقد، ممن ينظر إلى ظاهر الطاعات
والعبادات مفصولة عن الأحوال الداخلية لأصحابها. فيرى ظواهر
الطاعات طاعات في كل الأحوال والظروف وبالنسبة لسائر الناس،
ويرى ظواهر الأعمال والأمور المخالفة انحرافاً عن الشرعوالجادة
الدينية في كل الظروف والأحوال. ولكن هذه النظرة السطحية نظرة
خاطئة، بل خطيرة، يجب التنبه إليها والحذر منها. وهذا ما يبينه
ابن عطاء الله في هذه الحكمة، إذ يقول: «تنوعت أجناس الأعمال
بقدر تنوع واردات الأحوال».إذن فليس عنوان العمل في ظاهره
الاسمي، هو مناط المثوبة والقبول من الله عز وجل، ولكن مناط
ذلك ما تفرزه الحالة التي يمرّ بها المسلم المتجه بكليته إلى
الله.ولقد كان نوع العمل الذي أفرزته حال فضيل بن عياض إذ كان
يقف في عرفة مع جموع الحجيج، هو ذلك الاستغراق في مشاعر الخجل
والحياء من الله، إذ كان يذكر ماضي سلوكه في شروده عن الله!..
فما من ريب أن ثواب ذلك الاستغراق بالنسبة لحاله هو ثواب
الذاكرين والداعين والمرددين للأوراد المأثورة في ذلك
المقام.وكان نوع العمل الذي أفرزته حال سريّ السقطي المتمثلة
في ندمه وحيائه من الله إذ جعل حمده له ترجمة لسروره بما امتاز
به عن إخوته الآخرين في السوق، إذ احترقت حوانيتهم، وبقي
حانوته سالماً لم يمسه سوء، الاستغفارَ من ذلك الحمد الذي رأى
أنه ليس أكثر من غلاف لما رضيه من حال الآخرين ما دام هو
سالماً!..وكان نوع العمل الذي أفرزته حال داود الطائي من الهم
الواصب الذي منعه من الرقاد ليالي متوالية، هو ذلك الهم
ذاته!.. ولاحظ كيف أن ذلك الهم الذي انتابه لم يترك له خياراً
في أن يرقد وينام، أي فلا يجوز أن يقال في حقه: إنه خالف هدي
رسول الله القائل: «أما أنا فأصوم وأفطر وأنام الليل وأتزوج
النساء» . إذ هو لم يختر لنفسه عملاً يخالف هدي رسول الله
هذا، ولكن حاله التي انتابته اضطرته إلى وضعه الذي وصفه عن
ذاته.كذلك كان نوع العمل الذي أفرزته حال معروف الكرخي عندما
سمع السقاء يقول: يرحم الله من يشرب مني، إذ أيقن بصلاح
السقاء، وهزّه الشوق إلى أن يكون واحداً ممن يرحمه الله
بدعائه، هو هذا الذي أقدم عليه من قطع صومه والشرب من يد
السقاء. لا يقال: ولكن في الفقهاء من قالوا إن البدء بالعبادات
النافلة يستوجب المضيّ فيها، لأن أولئك الفقهاء كما اجتهدوا
فرأوا ذلك، كذلك معروف الكرخي دلّه حاله التي هيمنت عليه على
اجتهاده الذي مال إليه.وإذا أدركت هذه الحقيقة التي ينبِّه
إليها ابن عطاء الله، والتي شرحتها وأوضحتها لك بهذه الأمثلة
من أحوال الصالحين، لن يمتد لسانك بنقد أو بقالة سوء في حق
كثير من الصالحين الربانيين الذين ساقتهم أحوالهم مع الله إلى
أعمال وتصرفات، قد تراها - في الظاهر - غير سديدة أو غير
موافقة لظواهر الأحكام.ولتعلم أنه يدخل في تنوع أجناس الأعمال
بسبب الأحوال النفسية، تفاوت الناس في مدى قربهم إلى الله ومدى
شهودهم لصفات الله تعالى واستغراقهم في مشاعر عظمته وجلاله..
قد ترى فيهم من يبتعد عن تناول الطيبات من الطعام ويعرض عن
تتبع ما لذّ من الشراب، وقد ترى فيهم من إذا ساق الله إليه دون
تكلف منه شيئاً من تلك الطيبات، أقبل إليها وتمتع بها وتضلّع
منها.إن الصنف الأول ليس له خيار فيما فعل، إذ إن حاله التي
تهيمن عليه تجعله يغصّ باللذيذ من الطعام والشراب، كالخائف
الذي سيق إلى ساحة الإعدام لينفذ فيه حكمه، أفيطيب له أم أيهنأ
بتناول الطعام اللذيذ إذ يوضع بين يديه؟!.. إن في الربانيين
الذين هيمنت عليهم هذه الحال التي وصفت، من يكونون من الأطعمة
والمشتهيات اللذيذة في مثل شعور هذا الذي سيق إلى الإعدام.أما
الصنف الثاني، فيملك خياره وإرادته، إذ إن الحال التي هو فيها،
هي حال سرور بشهود صفات اللطف والرحمة والعفو والإكرام من الله
تعالى.. ومن ثم فليس في مشاعره الداخلية ما يصدّه عن التعامل
والتفاعل مع قول الله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ
اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ
الرِّزْقِ } { الأعراف: 7/32 } وهذا يعني أن من الخطأ أن يقول
أحدنا: أفكان رسول الله يحرِّم على نفسه اللذائذ؟ أو أن يقول:
أفكان في أصحاب رسول الله والتابعين، من يفرض على نفسه الحرمان
من اللذائذ المباحة الموجودة؟.. لأن حال الصنف الأول ليس حال
أناس اختاروا أن يخالفوا هدي رسول الله ، أو سيرة أصحابه من
بعده، إذن لاعترضنا عليهم واتهمناهم بالابتداع. ولكنها حال من
غُلِبَ عليهم، ففقدوا اختيارهم من جراء المشاعر التي
انتابتهم... والمشاعر انفعالات قَسرية لا توصف بالحرام
والحلال..على أن في أصحاب رسول الله من انتابتهم هذه الأحوال
القسرية، حتى حيل بينهم وبين التنعم بالطيبات، منهم سيدنا أبو
الدرداء وسيدنا أبو ذر وكثيرون.
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة التاسعة : تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال Empty رد: الحكمة التاسعة : تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال

مُساهمة  عامر شمس الحق الجمعة أغسطس 20, 2010 8:28 am

ـ نماذج لأصحاب حالات اجتماعية متنوعة استلزمت تنوع
الأعمال الصالحة على حسبها

أما الأحوال الاجتماعية، فالمراد بها ما يتعرض له الإنسان من
الانتقال من حال العزوبة إلى الزواج، ومن حال الفراغ إلى
التقيد بالوظائف والأعمال، كما يراد بها تنوع المعارف
والاختصاصات العلمية والعملية والمهنية. وتفاوت الوظائف
الإدارية والسياسية.. فهذه كلها أحوال اجتماعية يتعرض كل منا
لتقلبات كثيرة فيها.إذا تبين هذا، فاعلم أن الفرائض التي أمر
الله بها تشكل الجامع المشترك بين أصحاب هذه الأحوال كلها، ذلك
لأنهم جميعاً مكلفون بتلك الأساسيات التي فرضها الله عز وجل
على عباده جميعاً. كأركان الإسلام الخمسة من صلاة وصيام وحج
وزكاة وشهادتَي توحيد الله ونبوة محمد عليه الصلاة
والسلام.ولكن ما وراء ذلك من القربات والعبادات تتنوع حسب تنوع
الأحوال الاجتماعية التي يتقلب المسلم في غمارها. والسر في هذا
الربط بين أنواع القربات وأنواع الوظائف والمسؤوليات
الاجتماعية، أن الخدمات الاجتماعية بحدّ ذاتها تعدّ من أهم
الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله، إن صفت النية وأريد بها
الحصول على مرضاة الله.وها أنا أبرز لك هذه الحقيقة من خلال
النماذج والأمثلة التالية شاب لم يتزوج بعد، فهو لا يحمل إلا
مسؤولية نفسه، الأعمال المقربة إلى الله بالنسبة له، بعد
الجامع المشترك المتمثل في الفرائض العامة، هو التفرغ لمزيد من
العبادات والإقبال على القرآن تلقياً ثم إكثاراً من تلاوته،
وتتبع مجالس العلم والذكر، هذا بقطع النظر عن شؤونه الدنيوية
التي هو بصدد تكوينه لذاته عن طريقها. كالتوجه إلى الدراسات
وإلى المهارات التي ينبغي أن يأخذ نفسه بها.( فإذا تزوج، فقد
أصبح ذا مسؤولية مزدوجة. إذ غدا مسؤولاً عن نفسه وعن أهله
الذين هم زوجه وأولاده. ومن شأن ذلك أن يدخل تعديلاً كبيراً
على الأعمال والطاعات التي كان يتقرب بها من قبل إلى الله. إن
عليه أن يعلم أن السعي على أهله ليغنيهم ويكفهم عن المسألة جزء
لا يتجزأ من أهم القربات، والجلوس معهم عندما يعود من وظيفته
أو شؤونه للتحبب والإيناس جزء لا يتجزأ من هذه القربات، والعمل
في السوق للكدح الدنيوي يغدو بالنسبة لحاله جزءاً لا يتجزأ من
العبادات والطاعات، والعكوف على تربية الأولاد وتسليكهم في طرق
الهداية والخير الأخروي والدنيوي جزء أساسي من هذه الطاعات.
ولا شك أن هذه الأنواع الجديدة التي طرأت على حياة هذا الشاب
من الأعمال الصالحة، لا بدّ أن تأخذ من حظ العبادات والقربات
الأخرى التي كان يشغل نفسه بها قبل الدخول في حاله الجديدة
هذه.( 873 والعامل الذي يشتغل في معمل لحساب صاحبه، ينبغي أن
يعلم أن الأعمال التي تقربه إلى الله تعالى، بعد الجامع
المشترك من الفرائض والعبادات الأساسية، تتمثل في إتقان العمل
الذي تعهد به والذي ائتمنه عليه صاحب المعمل.ومعنى هذا أن
ساعات العمل التي تعاقد عليها العامل مع صاحب المعمل، يجب أن
ينصرف كلها إلى العمل الذي تم التعاقد عليه فيها، على أن تطرح
من ذلك الدقائق التي لا بدّ منها لأداء الصلاة المكتوبة
ومقدماتها من طهارة ووضوء.. أي فلا يجوز له أن يصرف، من
وراءذلك، شيئاً من ساعات العمل إلى أداء نوافل أو قراءة قرآن
أو دراسة علم ولو شرعي. ذلك لأن الحال الاجتماعية التي يمرّ
بها هذا الإنسان تضعه أمام نوع آخر من الأعمال المقربة إلى
الله، ألا وهو العكوف على أداء ما التزم به على خير وجه. ولا
يمنعه من اكتساب الأجر الوفير على ذلك من الله عز وجل، إلا أن
تكون نيته غير خالصة لوجه الله عز وجل.كثيرون هم العمال الذين
إذا حان وقت الصلاة اتخذوا من انصرافهم إلى الصلاة ذريعة
لتشاغل وتكاسل عن العمل الذي تحملوا مسؤوليته تجاه رب العمل،
إذ يطيلون من وقت الصلاة ومقدماتها بدون موجب، وربما اجتمع
المصلون من العمال يتجاذبون أطراف الأحاديث المسلية فيما
بينهم، أو ربما رأيت البعض منهم يطيب له أن يواصل جلوسه في
مصلاه بعد الصلاة لقراءة قرآن أو دراسة كتاب، موهماً نفسه أنه
يتقرب بذلك إلى الله. مع أن انشغاله بذلك إنما هو في حقه معصية
تستوجب الوزر. ذلك لأن هذه الدقائق التي صرفها إلى هذه النوافل
الدينية، ليست ملكاً له، وإنما هي ملك لرب العمل، فهو بما أقدم
عليه إنما مارس عدواناً على حق الغير. وهذا الحكم الشرعي مثبت
في باب الإجارة من مصادر الشريعة الإسلامية.كذلك كثيرون هم
الذين يؤدون العمل الذي طلب منهم بشكل سطحي غير متقن، إمّا
تهاوناً منهم وضجراً من الصبر على بذل كل ما في الوسع لأداء
العمل على وجهه السليم، وإما لحقد أو لحسد يهيمن على نفوسهم
تجاه صاحب المصنع أو المعمل، وأكثرهم لا يعلمون أنتهاونهم هذا
لا يقل في ميزان الشرع عن حال من يتهاون في صلاته فينقص بعضاً
من أركانها أو واجباتها أو يعجل بها للتخلص منها. إن نوع
الطاعة، بل العبادة، التي يطالب الله بها هذا العامل ليس أكثر
من العمل الذي كلف به (بعد أداء الجامع المشترك من الفرائض
الأساسية) لذا فإن أي خيانة تبدر منه في العمل تجاه رب العمل
إنما هي خيانة تجاه الله عز وجل.( والموظف الذي أقيم وراء
مكتبه لأداء الأعمال الإدارية التي كلف بها، يجب أن يعلم أن
عبادته التي تقربه إلى الله تعالى تتمثل (بعد أداء العبادات
الأساسية) في إتقان الوظيفة التي عهد بها إليه. ويجب أن يعلم
أن الأجر الذي يدّخره الله له عليه، لا يقل عن أجر العبادات
والقربات التي يتقرب بها العباد المتفرغون للنوافل والأذكار
وتلاوة القرآن ونحوها، بشرط أن يقصد بذلك وجه الله عز وجل. وأن
يكون العمل الذي عهد به إليه مشروعاً ومفيداً للأمة في أصله.(
وصاحب المسؤوليات السياسية على اختلاف درجاتها ورتبها، ينبغي
أن يعلم أنه إذا أنجز الجامع المشترك الذي كلف الله به سائر
عباده والمتمثل في الفروض والعبادات الأساسية، فإن القربات
التي تستنزل مرضاة الله، بالنسبة إليه، إنما تتمثل في خدمة
الأمة وحماية حقوقها ورعاية قيمها، ومدّ رواق الأمن والطمأنينة
والرخاء فيما بينها. إنَّ سهر وليّ أمر المسلمين، أو أي من
حاشيته وأعوانه، للنظر في رعاية أي من هذه الواجبات، ليس أقل
أهمية، في ميزان الطاعات المقربة إلى الله، من سهر المتعبدين
والمتبتلين بنوافل الصلاة من تهجدوقيام وذكر واستغفار.. على أن
يتوخى أصحاب هذه المسؤوليات في جهودهم وأعمالهم بلوغ مرضاة
الله، وعلى أن لا تعوقهم جهودهم تلك عن النهوض بالجامع المشترك
المتمثل في الفروض الأساسية المتمثلة في أركان الإسلام.( ولقد
نوع الله قدرات عباده بما يهيئها للنهوض بأنواع الطاعات
والقربات كلها، فكان من مقتضى ذلك أن ينهض صاحب كل قدرة متميزة
بالأعمال المنسجمة مع قدرته.فمن مظاهر هذا التنوع ما قد تراه
من حال إنسان أقدره الله على استيعاب المعارف والعلوم
الإسلامية، فهو عاكف على دراستها ثم تدريسها ونشرها بالوسائل
الممكنة. تلك هي القدرة التي منحه الله إياها، إذن فذلك هو
العمل النوعي المنوط به، من قبل الله عز وجل، وما قد تراه من
حال إنسان آخر أقدره الله على السير بين المتخاصمين من الناس
بإصلاح ما بينهم، ووسع صدره للصبر على ذلك، دون أن تكون له باع
عريضة في العلم ومسائله، إذن تلك هي القدرة التي منحه الله
إياها، وإذن فذلك هو العمل النوعي المنوط به والذي يقرّبه إلى
الله عز وجل.. وما قد تراه من حال إنسان ثالث لا يد له بهذا
ولا بذاك، ولكنه ينشط بالسعي في خدمة الناس، وقضاء حوائجهم
وردّ الأذى عنهم، إذن فذلك هو العمل النوعي المنوط به من قبل
الله عز وجل.وهكذا فقد وضح المعنى المراد بقول ابن عطاء الله:
«تنوعت أجناس الأعمال بقدر تنوع واردات الأحوال» .
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة التاسعة : تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال Empty رد: الحكمة التاسعة : تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال

مُساهمة  عامر شمس الحق الجمعة أغسطس 20, 2010 8:29 am

ـ بيان الأثر التربوي الكبير الذي تحدثه معرفة هذه الحكمة
والتعامل معها

أما الأثر التربوي الذي تحدثه معرفة هذه الحكمة بأبعادها التي
فصلت القول فيها، فهو الالتزام بضوابط الأدب مع عباد الله
جميعاً ما داموا مسلمين.. إنك بعد أن عرفت هذا الذي ذكرته لك
من تنوع الأعمال المقربة إلى الله، وعدم انحصارها في المظاهر
العبادية المعروفة والمألوفة، لن تتمكن من إساءة الظن في حق من
قد تراهم مقصرين في أداء الصلوات أو غيرها من الأذكار
والقراءات، كما أنك لن تسيء الظن في أي من المتبتلين
والمتعبدين الذين وردت في ترجماتهم تصرفات ومواقف، قد تراها في
بادئ الأمر مخالفة للشرع، أو ترى فيها مبالغة لا وجه لها في
باب التورع وحدوده. وقد عرضت لك نماذج وأمثلة منها.. ذلك لأنها
نتائج لأحوال نفسية كانت تهيمن عليهم فلا تدع لهم خياراً فيما
كانوا يفعلون.وكم رأينا، ونرى، أناساً يطيلون ألسنتهم بقالة
السوء، في حق هؤلاء الصالحين دون رويّة أو إدراك لهذا الذي
يقوله ابن عطاء الله.وكم رأينا ونرى أناساً ينتشون ويطربون
بقالة السوء في حق أناس أقامتهم ظروفهم في أجواء بعيدة عن
التنسك والانضباط بآداب الكمالات الدينية المعروفة، دون أن
يدركوا أن القربات التي ترضي الله ليست محصورة في هذه الظواهر
المحدودة، ودون أن يعلموا أن الوظائف التي أقامهم الله عليها
هي أجلّ من تلك الظواهر أثراً وفائدة لهم عند الله إن أخلصوا
له في القيام بها على الوجه السليم.بل حتى الذين قد نراهم
مقصرين في الفرائض الأساسية التي عبرنا عنها بـ «الجامع
المشترك» يجب أن نذكرهم بها وندعوهم إليها، ولكنلا يجوز أن
نسيء الظن بهم، إذ إن انصرافهم إلى وظائفهم الأخرى التي أناطها
الله بهم، ستكون على الأغلب جاذباً لهم إلى تدارك ذلك التقصير،
كما رأينا من حال الكثيرين من أمثال هؤلاء.واعلم أن ثمة فرقاً
كبيراً بين واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخطورة سوء
الظن، إن الأول لا يستلزم الثاني بحال من الأحوال. أي فواجبنا
أن نذكر المقصرين بالفرائض والأركان، وأن نجنح إلى حسن الظن
بهم في الوقت ذاته، أي أن نرجح في باب التصورات والافتراضات
المستقبلية أن الله سيلهمهم تدارك هذا التقصير، وأنهم سيؤوبون
إلى الله عما قريب، بفضل وظائفهم الأخرى التي يؤدونها على
النهج السليم الذي يرضي الله عز وجل.
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى