منتدى الاحبة فى الصلوات على خير البشر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل

اذهب الى الأسفل

الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل Empty الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل

مُساهمة  عامر شمس الحق الخميس أغسطس 19, 2010 1:07 pm



الحكمة الأولى

من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل

ـ الاعتماد على العمل، أهو في الشرع محمود أم مذموم

الاعتماد على العمل أهو في الشريعة أمر محمود أم مذموم؟يقول
لنا ابن عطاء الله: إياك أن تعتمد في رضا الله عنك وفي الجزاء
الذي وعدك به على عمل قد فعلته ووفقت له، كالصلاة، كالصوم،
كالصدقات، كالمبرات المختلفة، بل اعتمد في ذلك على لطف الله
وفضله وكرمه.هل هنالك من دليل على هذا؟ نعم، إنه حديث رسول
الله الذي رواه البخاري وغيره: «لن يُدْخِلَ أحَدَكُم الجنةَ
عملُه» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن
يتغمدني الله برحمته».إذن فالعمل ليس ثمناً لدخول الجنة، وإذا
كان الأمر كذلك فالمطلوب إذا وفقت لأداء الطاعات أن تطمع برضا
الله وثوابه، أملاً منك بفضله وعفوه وكرمه، لا أجراً على ذات
العمل الذي وفقت إليه.وهنا يقول: ومن أبرز الدلائل على اعتمادك
على العمل لا على فضل الله، نقصان رجائك بعفوه تعالى عند تلبسك
بالزلل أي عندما تتورط في المعاصي والموبقات.إن هذا يعني أنك
عندما كنت ترجو كرم الله وعطاءه إنما كنت تعتمد في ذلك على
عملك فلما قلَّ العمل وكثرت الذنوب غابالرجاء!.. فهذا هو
المقياس الدال على أنك إنما تعتمد في رجائك على عملك لا على
فضل الله سبحانه وتعالى وكرمه.. هذا هو باختصار معنى حكمة ابن
عطاء الله رحمه الله.ثم إن هذه الحكمة لها بُعْدٌ هام في
العقيدة، وبعد هام يتجلى في السنة.. في كلام سيدنا رسول الله
، ولها بعد ذلك بُعد أخلاقي تربوي، وسنأتي على بيان ذلك كله إن
شاء الله. * * *

ـ حكم ابن عطاء الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

ولنعلم بهذه المناسبة أن حكم ابن عطاء الله مقسمة إلى ثلاثة
أقسام: القسم الأول منها يدور على محور التوحيد. القسم
الثاني يدور على محور الأخلاق. القسم الثالث يتعلق بالسلوك
وتطهير النفس من الأدران.ولنبدأ ببيان البعد الاعتقادي وتحليله
في هذه الحكمة الأولى:يقول صاحب جوهرة التوحيد: فإن يُثِبْنا
فَبِمَحْضِ الفَضْلِ وإن يعذِّبْ فبمحضِ العَدْلِهذه هي
العقيدة التي ينبغي أن يصطبغ بها كل إنسان مسلم.. وعلى هذا درج
السلف الصالح رضوان الله عليهم.قد يقول قائل: بل الظاهر أن
الثواب الذي نستحقه إنما هو على العمل الصالح الذي
عملناه.ولكننا لو تأملنا، وأمعنا النظر، في علاقة ما بين العبد
وربه، لأدركنا أن الأمر ليس كذلك.

عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل Empty رد: الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل

مُساهمة  عامر شمس الحق الخميس أغسطس 19, 2010 1:10 pm

ـ مامعنى قولك: إن الله إنما يثيبني بعملي؟

ما معنى قولك: إن الله إنما يثيبني بعملي.. وإنما يدخلني الجنة
بعملي..؟ معنى هذا الكلام أن الله عز وجل رصد قيمة للجنة، لا
تتمثل في دراهم أو في سيولة مالية، وإنما تتمثل في العبادات
والطاعات والابتعاد عن المحرمات. فإن فعلت الطاعات واجتنبت
النواهي، فقد بذلت الثمن، ومن ثم فقد أصبحت مستحقاً للبضاعة
التي اشتريتها!.. عندما تقول: إنما أثاب بالعمل الذي قدمتُه،
فهذا هو معنى كلامك.. فهل الأمر هكذا في حقيقته؟.. أي هل إنك
عندما تؤدي الأوامر التي طلبها الله عز وجل منك تصبح مستحقاً
للجنة ومالكاً لها بعرق جبينك، تماماً كما يستحق الذي اشترى
بضع دونمات من أرض، بقيمة محددة دفعها لصاحبها الذي عرضها
للبيع؟!.. لو تأملت لرأيت أن الأمر يختلف اختلافاً كبيراً..
أنا عندما أدفع قيمة هذا البستان نقداً كما طلب البائع فأنا
أمتلك بذلك هذا البستان بدون أي مِنَّةٍ له عليّ، وبطريقة
آليّة يقضي بها القانون. ومن حقي أن أقول له: اخرج من أرضي فقد
دفعت لك قيمتها كاملة غير منقوصة.ذلك هو شأن علاقة العبد مع
العبد.. أما عندما يأمرك الله سبحانه وتعالى بالطاعات التي
ألزمك بها، وينهاك عن المحرمات التي حذرك منها، ويوفقك الله
فتؤدي الواجبات وتبتعد عن المحرمات، فإن الأمر مختلف هنا بشكل
كلي.. من الذي أقدرك على الصلاة التي أديتها؟ من الذي أقدرك
على الصوم الذي أديته؟.. من الذي شرح صدركللإيمان؟ أليس هو
الله عز وجل؟ وصدق الله القائل: { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ
أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ
اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمانِ } {
الحجرات: 49/17 } إذن هنالك فرق كبير بين الصورتين. من الذي
حبّب إليك الإيمان وكرّه إليك الكفر والفسوق والعصيان؟ من؟ هو
الله سبحانه وتعالى.. من الذي شرح صدرك وأقدرك على أن تأتي إلى
بيت من بيوت الله فتحضر صلاة الجماعة ثم تجلس فتستمع إلى ما
يقربك إلى الله سبحانه وتعالى؟ من؟ هو الله سبحانه وتعالى..
إذن فما يخيل إليك، من أن الطاعة ثمن دفعته من ملكك مقابل
امتلاكك لجنة الله تعالى قياساً على الذي دفع أقساط الثمن من
ماله الحر لكي يمتلك البستان، قياس مع الفارق الكبير.إذن فلا
يجوز أن تتصور أنك تستحق (تأملوا التعبير الدقيق الذي أستعمله:
لا يجوز لك أن تتصور أنك تستحق) جنة الله سبحانه وتعالىوثوابه،
لأنك قد قدمت له ما قد طلب، ولأنك قد فعلت ما قد أوجب، وابتعدت
عما حرم، لا يجوز لك أن تعتقد هذا. ولو اعتقدت ذلك لكان نوعاً
من أخطر أنواع الشرك.ذلك لأن هذا الاعتقاد يعني أنك تؤمن بأن
صلاتك بقدرة ذاتية منك، وأنك تفضلت بها على الله، وأن طاعتك
التي أمرك الله عز وجل بها بحركة من كيانك، وكيانك ملك ذاتك،
وقدرتك ملك ذاتك، فعملك أنت المالك له، وقدراتك أنت مبدعها
وموجدها، والباري لا علاقة له بها. إذن فكأنك فيما تتخيل قدمت
له هذهالطاعات على طبق، وقلت: ها هي ذي أوامرك قد أنجزتها كما
تريد، بقدرة وطاقة ذاتية مني فأعطني الجنة التي وعدتني
بها.وهكذا تصبح العملية عملية بيع وشراء.. أعطيتك القيمة ومن
حقي إذن أن أطالبك بالثمن!.. هل هذا هو منطق ما بين العبد
وربه؟ أين أنت إذن من واقع عبوديتك لله؟. أين أنت من الكلمة
القدسية التي كان يعلمها رسول الله أصحابه: «لا حول ولا قوة
إلا بالله»؟. أين أنت من اليقين الإيماني الذي لا ريب فيه بأن
الله سبحانه وتعالى هو الخالق لأفعال العباد؟.. من الذي يخلق
أفعالنا نحن العباد؟ أظن أن العهد لم يطل بنا، في بيان الحق
الذي هو عقيدة السلف الصالح، وهم أهل السنة والجماعة الذين
يمثلهم الأشاعرة والماتريديون.. إذن فأنا عندما أحمد الله
سبحانه وتعالى بلساني؛ ينبغي أن أشكر الله على أن حرك لساني
بهذا الحمد.. وإذا قمت من جوف الليل لأصلي، ينبغي أن أثني على
الله أنه وفقني للقيام بين يديه.. لولا حبه لي، لولا عنايته
بي، لولا لطفه بي، لغرقت في الرقاد، ولما أكرمني بهذا الوقوف
بين يديه. ولقد حدثتكم مرة بقصة فتاة صالحة كان تخدم في أسرة،
وذات ليلة قام رب الأسرة من جوف الليل فرأى الفتاة تصلي في
زاوية من البيت، وسمعها تقول وهي ساجدة: اللهم إني أسألك بحبك
لي أن تسعدني.. أن تعافيني أن تكرمني.. إلى آخر ما كانت تدعو
به. استعظم الرجل صاحب البيت كلامها هذا، وانتظرها حتى إذا
سلَّمت من صلاتها، أقبل فقال لها: ما هذا الدلال على الله؟!..
قولي: اللهم إني أسألك بحبي لك أن تسعدني وأن تكرمني وأن...
قالت له:ياسيدي لولا حبه لي لما أيقظني في هذه الساعة، ولولا
حبه لي لما أوقفني بين يديه، ولولا حبه لي لما أنطقني بهذه
النجوىلاحظوا أيها الإخوة: هذا هو التوحيد الذي ينبغي أن يصطبغ
به كل منا، كيف تمتن على الله بصلاتك وهو الذي وفقك
إليها؟!فهذا هو المبدأ الذي عناه صاحب جوهرة التوحيد وكل علماء
العقيدة عندما قالوا: «فإن يثبنا فبمحض الفضل» ثم قالوا:
«وإن يعذب فبمحض العدل».
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل Empty رد: الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل

مُساهمة  عامر شمس الحق الخميس أغسطس 19, 2010 1:10 pm

ـ معنى قول الله عز وجل: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}

قد يخطر هنا في البال السؤال التالي: إذا كان الأمر كذلك، فما
معنى قول الله عز وجل: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ } { النحل: 16/32 } ، ولقد كرر الله تعالى هذا
الكلام كثيراً في بيانه القديم؟ وأقول لكم في الجواب ما يزيدكم
حباً لله، ويزيدكم انغماساً في مشاعر العبودية له:إن هذا
الكلام قرار من طرف واحد هو الله عز وجل، لا من طرفين
متعاقدين.. يوفقك الله للعمل، ويلهمك السداد، وتجأر على بابه
بالدعاء: تقول: اللهم لا حول ولا قوة لي إلا بك، ناصيتي بيدك،
تصرفها كما تشاء، فخذ بها إلى طريق السعادة والرشاد. فيستجيب
الله دعاءك، ويشرح صدرك للخير، ويوفقك للعمل الصالح، ثم يقول
لك يوم القيامة: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ } { النحل: 16/32 } ، فهل هذا الكلام منه عز وجل
يعني تنفيذاً لعقد رضائي جرى بينك وبينه، كالعقد الذي يكون بين
البائع والمشتري؟!..لا، معاذ الله. إنه عز وجل عندما جعل عملك
سبباً لدخول الجنة إنما فعل ذلك تفضُّلاً منه وإحساناً.ولو أنك
أبيت إلا أن تتصور أن المسألة بين الله وعباده معاوضة حق بحقٍ،
وحملت هذه الدعوى معك إلى يوم القيامة، قائلاً لله تعالى: إنني
أستحق الجنة والخلود فيها بأعمالي المطلوبة التي أنجزتها، وشاء
الله عز وجل - بناء على دعواك هذه - أن يجرّك إلى الحساب
الدقيق، لن يبقى لك عندئذ أي حق مما تدعيه. ولسوف يضمحلّ ذلك
كله تحت سلطان عبوديتك لله وافتقارك إلى عونه وتوفيقه.ولعل
أقرب مثال إلى ما أقول ما ينهجه الوالد مع ابنه عندما يشجعه
على الكرم وعمل الخير، يقول لابنه: إن أعطيت ذلك الفقير مبلغاً
من المال فلسوف أكرمك بهدية، ويأتي الأب بالمال فيضعه خفية في
جيب الطفل، ويستجيب الولد لطلب أبيه متأملاً ما وعده به من
الإكرام، فيعطي الفقير مبلغاً من المال الذي دسه والده في
جيبه. فيستبشر والده بذلك، ويعبر عن إعجابه بالكرم الذي اتصف
ابنه به، قائلاً: لقد قمت بعمل إنساني عظيم، ولا شك أنك تستحق
بذلك أجراً كبيراً ومثوبة عظمى.من الواضح أن هذا عمل تربوي لبق
يأخذ به الوالد ابنه. ولا ريب أن الولد سيعلم فيما بعد، أن
المال الذي كان في جيبه إنما هو مال أبيه، وأن الإكرام الذي
تلقاه منه باسم المكافأة والمجازاة على عمله الطيب، إنما هو
لون من التحبب إليه ابتغاء دفعه إلى مزيد من هذا العمل
الإنساني الجميل. فقول الله عز وجل: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } { النحل: 16/32 } ليس إلا من هذا
القبيل. ورد في أكثر من خبر أن أحد عباد الله تعالى يقول يوم
القيامة: يا رب حاسبني بعدلك وبما أستحق، فأنا عشت حياتي
الدنيا كلها لم أعصك يوماً قط. فيذكّره الله بنعمة عينيه
الباصرتين اللتين متعه الله بهما، هل أدّيت شكر هذه العين؟
ويوضع فضل الله عليه في ذلك في كفة، وتوضع كافة طاعاته وقرباته
في الكفة الأخرى، فترجح كفة الفضل الإلهي على كفة الطاعات
والقربات التي أقدره الله عليها.لو أنك نظرت إلى نعم الله التي
عشت حياتك الدنيوية تتقلب فيها لرأيت أن لحظة واحدة من لحظات
تمتعك بهذه النعم أكثر وأطم من كل طاعاتك التي قمت بها.. أنت
عبد لله سبحانه وتعالى، بقدرته تطيعه، برحمته تسير إليه،
برحمته بك تتقرب إليه، إنني لأقول كما كان يقول والدي رحمه
الله تعالى في بعض أدعيته: يا رب إني أشكرك ولكنك أنت الذي
تلهمني شكري لك، فشكري لك يحتاج إلى أن أشكرك على أن وفقتني
لهذا الشكر، وعندئذ يتسلسل الأمر، فأنت الخالق لكل شيء وأنت
اللطيف بي في كل الأحوال.إذن فقول الله تعالى: { ادْخُلُوا
الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } { النحل: 16/32 }
قرار من طرف واحد. أما نحن فينبغي أن نعلم أننا ندخل الجنة
بمحض التفضل منه عز وجل.. تؤدي ما قد كلفك به بشعور الحق
المترتب عليك، حتى إذا فعلت ما قد أمرك الله عز وجل به وأنجزته
على النحو المطلوب، ينبغي أن تعلم أنك تسعى إلى كرم الله عز
وجل مجرداً من أي استحقاق لذلك، ليس معك إلا الطمع برحمته
وصفحه. رأى بعض الصالحين في منامه رجلاً من الربانيين بعد
وفاته، فقال له -وقد علم أنه متوفى -: ما فعل الله بك؟ قال:
أوقفني بين يديه وقال: بِمَ جئتني؟ فقلت: يا رب أنا عبد،
والعبد لا يملك شيئاً يأتي به إلى سيده، جئتك بالطمع بعفوك
والأمل في كرمك.أرأيت إلى منطــق العبــودية؟.. هكذا يكون
القدوم غداً على الله عز وجل. من لم يدرك ذلك اليوم، فلسوف
يدركه غداً.
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل Empty رد: الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل

مُساهمة  عامر شمس الحق الخميس أغسطس 19, 2010 1:11 pm

ـ معنى قول رسول الله: ((لن يُدِخِلَ أحدَكم الجنة عمله))

وهذا ما قد قرره رسول الله في الحديث الذي رواه البخاري من
حديث أبي هريرة ومن حديث السيدة عائشة وحديث أبي سعيد الخدري
أن رسول الله قال: «لن يُدْخِلَ أحدَكم الجنةَ عملُه، قالوا:
ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله
برحمته». ولنلاحظ هنا دقة كلام رسول الله في التعبير عن المعنى
الذي بسطناه وأوضحناه. فهو لم يقل (لن يَدْخُلَ أحدُكم
الجنةَ بعمله) لو قال ذلك، إذن لجاء كلامه مناقضاً للقرآن الذي
يقرر أن الله يدخل الصالحين من عباده في الجنة بأعمالهم، وذلك
في مثل قوله عز وجل: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ } { النحل: 16/32 } ، وإنما قال: «لن يُدْخِلَ
أحَدَكم الجنةَ عملُه» أي إن اعتمادك على العمل مستقلاً عن عفو
الله وصفحه، وعن مسامحته وكرمه، سيخيب آمالك ولن يحقق لك شيئاً
من أحلامك. ذلك لأن الله هو الذي جعل عملك البخس، طريقاً إلى
مغفرته وجنته. والباء في قوله تعالى: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } { النحل: 16/32 } إنما ساقتها
فربطتها بالعمل، رحمة الله، كرم الله، سعة عفو الله، لا
استحقاقك أنت أيها العبد أياً كنت وأياً كان شأنك
ومستواك.وانظر إلى مثال تَصَدُّقِ أحدنا بشيء من المال على
فقير، وتأمل كيف يتجلى سائق الرحمة الإلهية والمغفرة الربانية
للباء التي دخلت دخول السببية على العمل: من المعلوم أن المال
مال الله، وليس له من مالك حقيقي إلاّ هو. ألم يقل {
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } { النحل:
16/32 } ثم إنه يخاطبنا قائلاً: { .. بما كنتم تعملون } {
النحل: 16/32 } يعطيك من ماله، ثم يفترض أنك أنت المالك
الحقيقي له، ويقيم ذاته العلية مقام المقترض منك، قائلاً:
أتقرضني شيئاً من مالك هذا، إذن أعدك أنني سأعيده إليك أضعافاً
مضاعفة!..فهل تصدق يا هذا أنك أنت المالك حقاً، وأن الله ليس
إلا محتاجاً إليك ومقترضاً منك؟!.. أفيمكن أن يبلغ منك السكر
بهذا الأسلوب الرباني المتفضل الودود، أن تذهل عن الحقيقة وأن
تصدق أنك أنت المالك وأن الله هو المقترض، ثم أن تزعم بأن لك
أن تطالب الله بما أقرضته إياه، مضافاً إليه الفوائد التي
تعاقدت معه عليها؟!..إن كنت تتصور هذا، وتنسى أن باء السببية
هنا إنما ساقها اللطف الإلهي، فأنت مجنون بكل جدارة!....إذن
فقد أدركنا وتذوقنا معنى كلام سيدنا رسول الله : «لن يُدخِلَ
أحدَكم الجنةَ عملُه..» إلى آخر الحديث.ولكن فلنتساءل: هل من
تعارض بين أن يعدك الله دخول الجنة برحمته وبين أن يأمرك في
الوقت ذاته بعبادته؟لا تعارض، لأن العبادة حق لله عليك بوصف
كونك عبداً له، والجنة منحة وعطية من الله لك، بوصف كونه
رحيماً بك وغفوراً لك. وقد قضى بسابق حكمه أن يكون أولى الناس
برحمته أكثرهم أداء لحقوقه. وقد أعلن عن ذلك بقوله: {
وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُم } { النور: 24/33
} ولا يقولنَّ قائل: ما حاجتي إلى رحمة الله وصفحه إن كنت
مؤمناً متقياً؟ لأن الإيمان والتقوى ليس شيء منهما قيمة لعطاء
تناله، وإنما هو حق مترتب لله عليك. فإذا أديت الحق الذي له في
عنقك، فليس لك عنده بمقابل ذلك شيء، وكل ما ينالك منه تفضل
ورحمة وصفح.والآن، نعود إلى كلام ابن عطاء الله، لنقف على نقطة
هامة يحذرنا منها: ((من علامة الاعتماد على العمل نقصان
الرجاء عند وجود الزلل)).أي إن من أخطر نتائج اعتمادك في مثوبة
الله على العمل، نقصان رجائك بعفوه عندما تتورط في الزلل
والآثام؛ فبين الأمرين تلازم مطرد. والسبيل الوحيد إلى أن لا
يقل رجاؤك برحمة الله وصفحه عند التقصير، هو أن لا تعتمد على
عملك عندما يحالفك التوفيق. وعندئذ تكون في كلا الحالين
متطلعاً إلى جود الله وكرمه، بقدر ما تكون خائفاً من غضبه
ومقته.إذن فالخوف من غضب الله وعقابه يجب أن يكون موجوداً مع
الرجاء الدائم برحمته وفضله، لأن الإنسان أياً كان، لن ينفك عن
التقصير في أداء حقوق الربوبية عليه، في سائر التقلبات
والأحوال.ومن ثم فإن الذي يرى أنه من الضعف والتقصير بحيث لا
يستطيع أن يؤدي شيئاً من حقوق الله عليه، يتجاذبه شعوران
متساويان في كل الأحوال: أحدهما شعوره بالأمل بفضل الله وعفوه،
ثانيهما شعوره بالخجل والخوف من تقصيره في جنب الله عز وجل، لا
يعلو ويشتدّ الشعور الأول إن رأى نفسه موفقاً للطاعات، ولا
يهتاج به الشعور الثاني إن رأى نفسه مقصراً في أدائها متهاوناً
في حقوق الله عز وجل، لأنه في كل الأحوال لا يقيم لطاعاته
وزناً، ولا يعتمد عليها في الأمل برحمة الله وعفوه. فهو إذن في
كل الأحوال بين الخوف والرجاء.
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل Empty رد: الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل

مُساهمة  عامر شمس الحق الخميس أغسطس 19, 2010 1:12 pm

ـ قد يوسوس الشيطان بأن الطاعات ليس لها إذن أي دور في
تفضل الله على العبد، فلا فرق إذن بين الطائع والعاصي

ولعلّ الشيطان يوسوس إليك بأن الطاعات والقربات ليس لها إذن أي
دور في تفضل الله على العبد، وإذن فلا فرق بين إقبال العبد
إليها وإعراضه عنها!..ولكن فلتعلم أن هذا الوسواس الشيطاني ليس
نتيجة لهذا الذي نشرحه من كلام ابن عطاء الله، ولا لكلام علماء
التوحيد في هذا الصدد.. لقد قال الله تعالى: { مَنْ ذا
الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ
أَضْعافاً كَثِيرَةً } { البقرة: 2/245 } أفقال بعد ذلك:
سأكتبها للناس جميعاً، أم قال: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ
شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُون } { الأعراف:
7/156 } ..هما أمران لا ينفك واقع عبودية الإنسان لله عنهما:
أحدهما أن عليه أن يسلك مسالك الهدى والالتزام بأوامر الله
والابتعاد عن نواهيه، ثانيهما أن يعلم أنه برحمة الله وعفوه،
لا بجهوده وأعماله ينال المثوبة والأجر.وهذا هو المعنى الجامع
الذي يتضمنه قول الله تعالى: { ورحمتي وسعت كل شيء.. } {
الأعراف: 7/156 } أي الإيمان والعمل الصالح واجبان، والمثوبة
تأتي عن طريق المغفرة والصفح لا عن طريق الأجر والاستحقاق.إنني
بحكم عبوديتي لله أنفذ أوامره، تلك ضريبة العبودية لله في
عنقي. ثم أبسط كفّيَ إلى السماء قائلاً: يا رب، أنا عبدك وابن
عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك
أسألك رحمتك، لا تعاملني بما أنا له أهل، بل عاملني بما أنت له
أهل، إنك أنت القائل: { فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُون
} { الأعراف: 7/156 } وشاكلتك الرحمة فارحمني، شاكلتك المغفرة
فاغفر لي.أقول مثل هذا الكلام دون أن أطالبه بأجر على عمل أرى
أني قد بذلته. بل أسترحمه بمقتضى ضعفي وشدة احتياجي، وأستجديه
العطاء كما يفعل الشحاذ إذ يستجدي احتياجاته من مال أو طعام
ممن يأمل منهم الجود والإحسان. هكذا تكون العبودية لله سبحانه
وتعالى.لعلك تقول: ولكن الله يحذر العاصين والمذنبين من مقته
وعقابه، فكيف لا ينقص رجائي بعفوه وإحسانه إن أنا ارتكبت
موجبات هذا النقصان؟.. كيف وقد شرط الله لنيل رحمته الإيمان
والتقوى، عندما قال: { . . فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ
يَتَّقُون } { الأعراف: 7/156 } والجواب أن العاصي الذي
يُطْلَبُ منه أن يظل راجياً كرم الله وصفحه، لا يمكن أن يُقبل
على الله بالرجاء إلا إن دخل رحابه من باب التوبة.أرأيت إلى
العاصي الذي جاء يطرق باب الله متأملاً صفحه ومغفرته، أيعقل أن
يفعل ذلك وهو مصرّ على معصيته مستريح إلى شروده وآثامه؟!..
لا.. من الواضح في مقاييس الأخلاق والمشاعر الإنسانية، فضلاً
عن مشاعر العبودية لله، أن هذا العاصي بمقدار ما يزدهر في نفسه
الأمل بصفح الله ومغفرته، تزداد لديه حوافز التوبة ومشاعر
الندم وعزيمة الإقلاع عما كان عاكفاً عليه.. فإذا تاب هذه
التوبة الصادقة، فلا بدّ أن يتنامى الرجاء لديه بصفح الله ولا
ينقص. إذ المفروض أنه يقرأ كتاب الله تعالى ويقف فيه على مثل
قوله: { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ
التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ
اللَّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ } { التوبة: 9/104 }
والمفروض أنه وقف على مثل هذا الحديث القدسي المتفق عليه،
والذي يرويه رسول الله عن ربه: «أذنب عبد ذنباً فقال: اللهم
اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم
أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي
رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أنه
له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب
اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له
رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي فليفعل ما
شاء».إذن فالتوبة لا بدّ منها، وهي السبيل إلى بقاء الرجاء
مزدهراً في نفس العاصي. أما المستمر في عكوفه على الآثام والذي
لا تخطر منه التوبة على بال، فالرجاء بصفح الله أيضاً لا يمكن
أن يخطر منه على بال.ثم إنه يتبيّن لك مما ذكرته وأوضحته أن
التلبس بعكس ما ذكره ابن عطاء الله، هو الآخر دليل على
الاعتماد على العمل. أي فمن ازداد رجاؤه بفضل الله ومثوبته
كلما ازداد إقبالاً على الله بالعمل الصالح، فذلك دليل منه على
أنه إنما يعتمد على أعماله الصالحة، لا على صفح الله
ومغفرته.وتتجلى خطورة هذا الربط بين تنامي الرجاء، وتنامي
العمل الصالح، إذا تصورنا إنساناً يزداد عمله مع الزمن صلاحاً
وتزداد طاعاته كثرة، وكلما ازداد ذلك منه ازداد ثقة بمثوبة
الله ووعده، ذلك لأن النتيجة التي سينتهي إليها هذا الإنسان،
بموجب هذا الربط، أنه في مرحلة معينة سيجزم بأنه قد أصبح من
أهل الجنة ومن المكرمين بالنعيم الذي وعد الله به. إذ هو
بمقتضى ذلك الربط بين العمل والأجر، لا بدّ أن يعتقد - إذا بلغ
تلك المرحلة في أعماله الصالحة - أن عمله كله مبرور وأن حياته
مليئة بالطاعات، إذن فهو من أهل الجنة قطعاً!. وهذا هو التألي
على الله، وكم وكم حذر منه رسول الله .وإنما سبيل الابتعاد عن
هذا المنزلق، العلم بأن حقوق الله على العباد لا تؤدَّى
بطاعاته مهما كثرت وعظمت، بل إن هذه الحقوق ستظل باقية. ولو
أديت حقوقه عز وجل بالطاعات، لكان أولى الناس بذلك الرسل
والأنبياء، ومع ذلك فما وجدنا واحداً منهم عقد رجاءه بمثوبة
الله بطاعاته وقرباته، بل كانوا جميعاً يتطلعون إلى مغفرة الله
وصفحه.كان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام - وهو خليل
الرحمن - يرى أنه أقل من أن يكون في مستوى الصالحين من عباد
الله، فكانيسأل الله أن يلحقه بهم قائلاً: { وَإِنِّي
لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ
اهْتَدَى } { طه: 20/82 } وكان يتطلع إلى مغفرة الله وصفحه
قائلاً: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شاكِلَتِهِ } { الإسراء:
17/84 } وكان يوسف عليه الصلاة والسلام يرى هو الآخر أنه أقل
من أن يرقى إلى درجة الصالحين، فكان يسأل الله أن يلحقه بهم
وإن لم يكن منهم، أليس هو القائل فيما أخبر الله عز وجل عنه:
{ . . فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُون } { الأعراف: 7/156
} أما سيد الرسل والأنبياء فهو الذي يقول كما قد علمت: «لن
يُدخِلَ أحَدَكم الجنة عمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟
قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته». * * * إذن،
فالإنسان، أياً كان، عندما يوفق للعمل الصالح، إنما يؤدي بذلك
جزءاً يسيراً جداً من ضريبة عبوديته لله عز وجل ومن حقوق النعم
التي أغدقها الله عليه في الدنيا، وهي نِعم كثيرة ومتنوعة لا
تحصى.فإذا كان هذا الإنسان على الرغم من طاعاته التي وفق لها،
لا يزال مثقلاً تحت حقوق الربوبية لله عليه، ومثقلاً تحت حقوق
النعم التيامتنّ الله بها عليه، فأنى له وبأي حجّة يطالب الله
أن يكرمه مقابل ذلك بجنان خلده، وبأن يضيف إلى نعمه الدنيوية
التي لم يؤد بعد حقوقها النعم الأخروية التي وصفها وتحدث عنها
في محكم كتابه؟!
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل Empty رد: الحكمة الأولى : من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل

مُساهمة  عامر شمس الحق الخميس أغسطس 19, 2010 1:13 pm

ـ يجب على المسلم أن يعبد الله لأنه عبده ولأن الله ربه،
أي سواء أثابه الله على طاعاته أم لا

وصفوة القول أن الإنسان - بعد أن عرف الله وأدرك أنه عبد مملوك
له - يجب عليه أن يعبد الله لأنه عبده ولأن الله ربه، أي سواء
أثابه الله على عبادته أم لم يثبه. ثم إن عليه أن يسأله جنته
تفضلاً منه وإحساناً، وأن يستعيذ به من ناره وعذابه، تلطفاً
واسترحاماً. وتلك هي سيرة رسول الله في دعائه.فلو أن أحدنا
قرر في نفسه أنه إنما يعبد الله طمعاً بجنته بحيث لو علم أنه
لن ينال على عبادته له هذا الأجر، فسيقلع عن العبادة ولن يبالي
بشرعته وأحكامه، فهو غير مسلم ولا مؤمن في ميزان الله وحكمه.
إذ إنه يعلن بذلك أنه ليس عبداً لله وإنما هو عبد للجنة التي
يبحث عن سبيل ما إليها.وهنا ندرك سموّ مشاعر التوحيد في مناجاة
رابعة العدوية لربها إذ كانت تقول له: «اللهم إني ما عبدتك
حين عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك، ولكني علمت أنك
ربٌّ تستحق العبادة فعبدتك».بعض السطحيين ظنّ أن رابعة كانت
تعبر بهذا عن استغنائها عن الجنة التي وعد الله بها عباده
الصالحين، ومن ثم أطالوا العتب والتشنيع عليها. وهذا تسرع في
الفهم وظلم في الحكم!.. فرابعة كانت تسألالله الجنة وتستعيذ به
من النار، وكم كانت في الكثير من مناجاتها تتخوف من عقابه الذي
ترى نفسها معرّضة له، وكم كانت تتشوق إلى إكرامه وجنة قربه،
ولكنها لم تكن تطلب ذلك أجراً على عبادتها، وقيمة لصلاتها
ونسكها. وإنما كانت تسأله ذلك لأنه الغني الكريم ولأنها
الفقيرة الراغبة بجوده.أما طاعاتها وعباداتها، فقد كانت تتقرب
بها إلى الله لأنه ربها ولأنها أمته. إنها مدينة بحق العبودية
له، ومن ثم فإن عبوديتها تلح عليها أن تعبده وأن تخضع لسلطان
ربوبيته، لا لشيء إلاّ لأنها أمته ولأنه ربها. وسواء أأكرمها
بنعيم جنانه أو زجها في أليم عذابه، فلن تنقض معه ميثاق هذا
الالتزام. وكيف تنقضه وهي في كل الأحوال صنع يده وملك
ذاته؟..هذا هو موقف رابعة رضي الله عنها.. فهل في المسلمين من
يقول: إنه موقف غير سديد؟!.. إذن فالموقف السديد نقيضه، وهو أن
نقول: اللهم إني لم أعبدك لأنك رب تستحق العبادة، ولكن لأني
طامع في جنتك!.. فهل في الناس المؤمنين بالله، حتى ولو كانوا
فسقة، من يخاطب الله بهذه المحاكمة الوقحة؟إننا على الرغم من
تقصيرنا وبُعد ما بيننا وبين رتبة أمثال رابعة العدوية، لا
يسعنا إلا أن نخاطب إلهنا وخالقنا بالمنطق ذاته الذي كانت
تخاطب به ربها، إننا نقول:اللهم أنت ربنا ونحن عبادك، نعبدك
وننقاد لأوامرك جهد استطاعتنا لا لشيء إلاّ لأنك ربنا ونحن
عبيدك.. ونحن نعلم أننا مهما استقمناعلى صراطك فلسوف يظل
التقصير شأننا الملازم لنا، لا بسبب استكبار على أمرك ولكن
لأنك قضيت علينا بالضعف.لسوف نرحل إليك من دنيانا هذه بخروق
كثيرة من الزلل والإساءة والانحراف، آملين أن نوفق لترقيعها
بالتوبة الصادقة النصوح.. سنرحل إليك فقراء عرايا إلا من ذل
عبوديتنا لك وافتقارنا إليك.ولسوف يكون جواب كل منا إن سألت،
بِمَ جئتني من دنياك التي أقمتك فيها؟: جئتك بالأمل في رحمتك..
بالأمل في كرمك، جئتك فقيراً إلا من عبوديتي لك، ذلك هو رأس
مالي الذي أقف به بين يديك ولن يجرِّئني عندئذ على استجداء
جنتك وكريم عطائك إلا ما أعلمه من تفضلك وكرمك وما أعتزّ به من
انتسابي بذل العبودية إليك.وبعد فهذا هو لُبَابُ التوحيد الذي
يجب أن يهيمن على مشاعر كل مسلم بعد أن يستقر يقيناً في عقله.
وتلك هي الحقيقة التي عناها ابن عطاء الله بقوله: «من علامة
الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل».
عامر شمس الحق
عامر شمس الحق

عدد المساهمات : 85
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى